|
الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قال ابن الأنباري: كان الفراء والكسائي والخليل وسيبويه والأخفش وأبو عبيدة يذهبون إلى أن التاء في قوله تعالى: {ولاتَ} منقطعة من {حين} قال: وقال أبو عبيدة: الوقف عندي على هذا الحرف {ولا} والابتداء {تحين} لثلاث حُجج:إِحداهن: أن تفسير ابن عباس يشهد لها، لأنه قال: ليس حِينَ يَرَوْه فِرار؛ فقد عُلِمَ أنّ {ليس} هي أخت {لا} وفي معناها.والحُجة الثانية: أنّا لا نَجِدُ في شيء من كلام العرب {ولات} إنما المعروفة {لا}.والحجة الثالثة: أن هذه التاء، إنما وجدناها تلحق مع {حين} ومع {الآن} ومع ال {أوان} فيقولون: كان هذا تحين كان ذلك، وكذلك: تأوان، ويقال: اذهب تَلانَ، ومنه قول أبي وجزة السعدي: وذكر ابن قتيبة عن ابن الأعرابي أن معنى هذا البيت: العاطفونة بالهاء، ثم تبتدىء: حينَ مامِنْ عاطِفٍ، قال ابن الأنباري: وهذا غلط لأن الهاء إنما تُقْحَم على النُّون في مواضع القَطْعُ والسُّكون، فأمّا مع الاتصال، فإنه غير موجود.وقال عليّ بن أحمد النيسابوري: النحويُّون يقولون في قوله: {ولاتَ} هي {لا} زيدت فيها التاء، كما قالوا: ثُمَّ وثُمَّتْ، ورُبَّ ورُبَّتْ، وأصلها هاءٌ وُصِلَتْ ب {لا} فقالوا: لاه فلمّا وَصَلُوها، جعلوها تاءً؛ والوقف عليها بالتاء عند الزجاج، وأبي عليّ، وعند الكسائي بالهاء، وعند أبي عبيد الوقف على {لا}.فأما المَناص، فهو الفرار.قال الفراء: النَّوْص في كلام العرب: التأخُّر؛ والبَوْصُ: التقدّم.قال إمرؤ القَيْس: وقال أبوعبيدة: المَنَاصُ: مصدر نَاصَ يَنُوصُ، وهوالمنجى والفوز.قوله تعالى: {وعَجِبوا} يعني الكفار {أَنْ جاءَهم مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} يعني رسولًا من أَنْفُسهم يُنْذِرُهم النَّارَ.{أجعل الآلهة إِِلهًا واحدًا} لأنه دعاهم إلى الله وحده وأبطل عبادة آلهتهم؛ وهذا قولهم لمّا اجتمعوا عند أبي طالب، وجاء رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أتُعطوني كلمة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم» وهي «لا إِله إِلا الله»، فقاموا يقولون: {أَجَعَلَ الآلهةَ إِلهًا واحدًا} ونزلت هذه الآية فيهم.{إِنّ هذا} الذي يقول محمد من أن الآلهة إِله واحد {لَشَيءٌ عُجابٌ} أي: لأمرٌ عَجَبٌ.وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو العالية، وابن يعمر، وابن السميفع: {عُجّابٌ} بتشديد الجيم.قال اللغويون: العُجَاب والعجّاب والعجيب بمعنى واحد، كما تقول: كَبِيرٌ وكُبَارٌ وكُبَّارٌ، وكَرِيمٌ وكُرامٌ وكُرَّامٌ، وطَوِيلٌ وطُوَالٌ وطُوَّالٌ؛ وأنشد الفراء: قال قتادة: عجب المشركون أن دُعي اللهُ وَحْدَه وقالوا: أَيَسْمَعُ لِحاجاتنا جميعًا إِلهٌ واحد؟.وقوله تعالى: {وانْطَلَقَ المَلأُ منهم} قال المفسرون: لمّا اجتمع أشراف قريش عند أبي طالب وشَكَوا إِليه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على ما سبق بيانه، نفروا من قوله: لا إِله إِلا الله، وخرجوا من عند أبي طالب، فذلك قوله: {وانْطَلَقَ الملأُ منهم}.والانطلاق: الذّّهَابُ بسهولة، ومنه طَلاَقَةُ الوَجْه، والملأُ أشراف قريش، فخرجوا يقول بعضهم لبعض: {امْشُوا} و{أن} بمعنى أي؛ فالمعنى: أي: امْشُوا.قال الزجاج: ويجوز أن يكون المعنى: انْطَلِقوا بأن امْشُوا، أي: انْطَلَقوا بهذا القول.وقال بعضهم: المعنى: انْطَلَقوا يقولون: امْشُوا إِلى أبي طالب فاشْكُوا إليه ابنَ أخيه، {واصبروا على آلهتكم} أي: اثبُتوا على عبادتها {إنّ هذا} الذي نراه من زيادة أصحاب محمد {لَشَيءٌ يُراد} أي: لأمرٌ يُرادُ بِنَا.{ما سَمِعْنا بهذا} الذي جاء به محمدٌ من التوحيد {في المِلَّة الآخِرةِ} وفيها ثلاثة أقوال:أحدها: النصرانية، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وإِبراهيم بن المهاجر عن مجاهد، وبه قال محمد بن كعب القرظي، ومقاتل.والثاني: أنها مِلَّة قريش، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد، وبه قال قتادة.والثالث: اليهودية والنصرانية، قاله الفراء، والزجاج؛ والمعنى أن اليهود أشركت بعُزَير، والنصارى قالت: ثالث ثلاثة، فلهذا أنْكَرَتِ التوحيدَ.{إنْ هذا} الذي جاء به محمدٌ صلى الله عليه وسلم، {إِلا اختلاقٌ} أي: كذب.{أَأُنزل عليه الذِّكر} يعنون القرآن.{عليه} يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم، {مِنْ بينِنا} أي: كيف خُصَّ بهذا دونَنَا، وليس بأعلانا نَسَباَ ولا أعظمَنا شَرَفاَ؟! قال الله تعالى: {بَلْ هُمْ في شَكٍّ مِنْ ذِكْري} أي: من القرآن؛ والمعن: أنهم ليسوا على يقين ممّا يقولون، إِنما هم شاكُّون {بَلْ لَمّا} قال مقاتل: لمّا بمعنى لم كقوله: {ولمّا يَدْخُلِ الإِيمانُ في قُلوبكم} [الحجرات: 14].وقال غيره: هذا تهديد لهم.والمعنى: أنه لو نزل بهم العذاب، علموا أن ما قاله محمدٌ حقٌّ.وأثبت ياء {عذابي} في الحالين يعقوب.قال الزجاج: ولما دَلَّ قولُهم: {أَأُنْزِلَ عليه الذِّكْرُ} على حسدهم له، أعلم اللهُ عز وجل أن المُلْك والرِّسالة إِليه، فقال: {أَمْ عِنْدَهم خزائنُ رَحْمَةِ ربِّكَ}؟! قال المفسرون: ومعنى الآية: أبأيديهم مفاتيحُ النُّبوَّة فيضعونها حيث شاؤوا؟! والمعنى: ليست بأيديهم، ولا مُلْكُ السموات والأرض لهم.فإن ادّعَوْا شيئًا من ذلك {فَلْيَرْتَقُوا في الأَسبابِ}.قال سعيد بن جبير: أي: في أبواب السماء.وقال الزجاج: فليصعدوا في الأسباب التي توصلهم إلى السماء.قوله تعالى: {جُنْدٌ} أي: هُمْ جُنْدٌ.والجُند: الأَتباع؛ فكأنه قال: هُمْ أَتباعٌ مقلِّدون ليس فيهم عالِمٌ راشد.
|